إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني *** عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
بمناسبة قرب الامتحانات ونهاية السنة ، وتحفيزا لروح التفاؤل التي أحبها دائما ووصانا بها رسولنا صلى الله عليه وسلم ( تفاءلوا بالخير تجدوه ) ، وإيقاظا لهمتي وعزيمتي وطموحي قبل همتكم وعزيمتكم وطموحكم ، أردت أن أقص عليكم قصة تمنيت أن تكون سريعة ولكني حاولت اختصارها قدر الإمكان ، ولكن متى ما تعمقت فيها لم تستغرق منك وقتا ، وقد شدت انتباهي منذ فترة وملأت كياني قد يكون البعض يعلمها من قبل فتكون من باب ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) وقد لا يعلمها البعض الآخر - كما كنت لاأعلمها - فربما تعلو بها همته ويزداد طموحه ، ولكن لنتفق من البداية أن يتخيل كل منا نفسه مكان محمد الذي في القصة ، وحتى لا أطيل فإليكم الحكاية من البداية ....
................................................................
في ليلة من الليالي - أيام الدولة الأموية في الأندلس - اجتمع ثلاثة رجال يعملون حمّارين - يعني عربجية ولا مؤاخذة - بعد يوم طويل من العمل ليتسامروا ، فقال أحدهم لصاحبيه تخيل لو أنني أصبحت خليفة - يعني الريس برضه ولا مؤاخذه - ماذا تتمنيا؟ فقالا:يامحمد إن هذا غير ممكن ، فقال : افترضا جدلا أني خليفة .. فقال أحدهم هذا محال ، وقال الآخر : يا محمد أنت تصلح حمار ، أما الخليفة فيختلف عنك كثيرا . قال محمد:قلت لكما افترضا جدلا أني خليفة ، وهام محمد في أحلام اليقظة ، وتخيل نفسه على عرش الخلافة ، وقال لأحدهما:ماذاتتمنى أيها الرجل ؟ فقال: أريد حدائق غناء ، وماذا بعد ؟ قال الرجل: إسطبلا من الخيل ، وماذا بعد، قال الرجل : أريد مئة جارية ، وماذا بعد أيها الرجل ؟ قال : مئة ألف دينار ذهب ، ثم ماذا بعد، يكفي ذلك ياأمير المؤمنين . كل ذلك ومحمد يسبح في خياله الطموح ، ويرى نفسه على عرش الخلافة ، ويسمع نفسه وهو يعطي العطاءات الكبيرة ، ويشعر بمشاعر السعادة ، وبينما هو كذلك التفت إلى صاحبه الآخر وقال : ماذا تريد أيها الرجل ؟ فقال: يا محمد إنما أنت حمار ، والحمار لا يصلح أن يكون خليفة . فقال محمد : ياأخي افترض جدلا أنني الخليفة ماذا تتمنى ؟ فقال الرجل : لأن تقع السماء على الأرض أيسر من وصولك إلى الخلافة . فقال محمد : دعني من هذا كله وقل لي : ماذا تتمنى ؟ فقال الرجل : اسمع يامحمد إذا أصبحت خليفة ، فاجعلني على حمار ووجه وجهي إلى الوراء ، وأمر منادي يمشي معي في أزقة المدينة وينادي أيها الناس هذا دجال محتال من يمشي معه أو يحدثه أودعته السجن .
وانتهى الحوار ونام الجميع ، ومع بزوغ الفجر استيقظ محمد وصلى صلاة الفجر وجلس يفكر ، صحيح الذي يعمل حمّارا لن يصل إلى الخلافة ، الشخص الذي يستمر دون تطوير مهاراته ، بلا تحديد لأهدافه وطموحاته لن يتقدم بل يتقادم . فكر محمد كثيرا ما الخطوة الأولى للوصول إلى الهدف المنشود ؟ وتوصل محمد إلى قناعة رائعة وهي تحديد الخطوة الأولى : بيع الحمار ، وفعلا بدأ بالتنفيذ وباع الحمار
وانطلق محمد ابن أبي عامر بكل إصرار وجد يبحث عن الطريق الموصلة للهدف وقرر أن يعمل في الشرطة بكل جد ونشاط ، والتحق بالشرطة وترقى في عمله حتى أصبح رئيسا لقسم الشرطة في الدولة الأموية بالأندلس . ثم مات الخليفة الأموي وتولى بعده ابنه وعمره في ذلك الوقت عشر سنوات ، فقرروا أن يجعلوا عليه وصيا ولكن لا يكون من بني أمية حتى لايأخذ الحكم منه فجعلوا عليه مجموعة من الأوصياء منهم محمد بن أبي عامر واثنين آخرين فتمكن محمد من الاستفراد بالوصاية والتقرب من والدة الخليفة ، ثم اتخذ محمد مجموعة من القرارات .. فقرر أن الخليفة لا يخرج إلا بإذنه ، وقرر انتقال شؤون الحكم إلى قصره وجيش الجيوش وفتح الأمصار واتسعت دولة بني أمية في عهده ، حتى اعتبر بعض المؤرخين أن تلك الفترة فترة انقطاع في الدولة الأموية وسميت بالدولة العامرية نسبة إلى محمد بن أبي عامر .
وفي يوم من الأيام وبعد ثلاثين عاما من بيع الحمار وصاحبنا محمد يجلس على عرشه بين العلماء والقادة تذكر صاحبيه الحمارين ، فأرسل إليهما أحد جنوده وقال له اذهب إلى مكان كذا فإذا وجدت رجلين صفتهما كذا وكذا فأتني بهما ، فذهب الجندي ووصل إلى نفس المكان ووجد الرجلين بنفس الصفة ، العمل هو هو ، المقر هو هو ، المهارات هي هي ، بنفس العقلية حمّار منذ ثلاثين سنة ، فقال الجندي : إن أمير المؤمنين يطلبكما ، أمير المؤمنين .. إننا لم نذنب ، ولم نفعل شيئا ، ما جرمنا ، قال الجندي : أمرني أن آتي بكما ، ووصلوا إلى القصر ، ودخلوا القصر نظرا إلى الخليفة ، قالا باستغراب .. إنه صاحبنا محمد . قال الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر : أعرفتماني؟ قالا نعم يا أمير المؤمنين ، ولكن نخشى أنك لم تعرفنا ، قال بل عرفتكما ، ثم نظر إلى الحاشية وقال : كنت أنا وهذين الرجلين معا قبل ثلاثين سنة ، وكنا نعمل حمارين ، وفي ليلة من الليالي جلسنا نتسامر فقلت لهما : إذا كنت خليفة فماذا تتمنيا ؟ فتمنيا ، ثم التفت إلى أحدهما وقال : ما ذا تمنيت يا فلان ؟ قال الرجل : حدائق غناء ، فقال الخليفة لك حديقة كذا وكذا ، وماذا بعد ؟ قال : اسطبل من الخيل ، قال الخليفة لك ذلك ، وماذا بعد ؟ قال : مئة جارية ، قال الخليفة : لك مئة من الجواري ، ثم ماذا ؟ قال الرجل : مئة ألف دينار ذهب ، قال هو لك وماذا بعد ؟ قال الرجل كفى يا أمير المؤمنين . قال الحاجب المنصور : ولك راتب مقطوع - يعني بدون عمل - وتدخل علي بغير حجاب .
ثم التفت إلى الآخر وقال له ماذا تمنيت ؟ قال الرجل اعفني يا أمير المؤمنين . قال : لا والله حتى تخبرهم قال الرجل : الصحبة يا أمير المؤمنين ، قال : حتى تخبرهم ، فقال الرجل : قلت إن أصبحت خليفة فاجعلني على حمار ووجه وجهي للوراء وأمر منادي ينادي في الناس أيها الناس هذا دجال محتال من يمشي معه أو يحدثه أودعته السجن .
قال الحاجب المنصور محمد ابن أبي عامر : افعلوا به ما تمنى حتى يعلم أن الله على كل شيء قدير .
........................................................................
بمناسبة قرب الامتحانات ونهاية السنة ، وتحفيزا لروح التفاؤل التي أحبها دائما ووصانا بها رسولنا صلى الله عليه وسلم ( تفاءلوا بالخير تجدوه ) ، وإيقاظا لهمتي وعزيمتي وطموحي قبل همتكم وعزيمتكم وطموحكم ، أردت أن أقص عليكم قصة تمنيت أن تكون سريعة ولكني حاولت اختصارها قدر الإمكان ، ولكن متى ما تعمقت فيها لم تستغرق منك وقتا ، وقد شدت انتباهي منذ فترة وملأت كياني قد يكون البعض يعلمها من قبل فتكون من باب ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) وقد لا يعلمها البعض الآخر - كما كنت لاأعلمها - فربما تعلو بها همته ويزداد طموحه ، ولكن لنتفق من البداية أن يتخيل كل منا نفسه مكان محمد الذي في القصة ، وحتى لا أطيل فإليكم الحكاية من البداية ....
................................................................
في ليلة من الليالي - أيام الدولة الأموية في الأندلس - اجتمع ثلاثة رجال يعملون حمّارين - يعني عربجية ولا مؤاخذة - بعد يوم طويل من العمل ليتسامروا ، فقال أحدهم لصاحبيه تخيل لو أنني أصبحت خليفة - يعني الريس برضه ولا مؤاخذه - ماذا تتمنيا؟ فقالا:يامحمد إن هذا غير ممكن ، فقال : افترضا جدلا أني خليفة .. فقال أحدهم هذا محال ، وقال الآخر : يا محمد أنت تصلح حمار ، أما الخليفة فيختلف عنك كثيرا . قال محمد:قلت لكما افترضا جدلا أني خليفة ، وهام محمد في أحلام اليقظة ، وتخيل نفسه على عرش الخلافة ، وقال لأحدهما:ماذاتتمنى أيها الرجل ؟ فقال: أريد حدائق غناء ، وماذا بعد ؟ قال الرجل: إسطبلا من الخيل ، وماذا بعد، قال الرجل : أريد مئة جارية ، وماذا بعد أيها الرجل ؟ قال : مئة ألف دينار ذهب ، ثم ماذا بعد، يكفي ذلك ياأمير المؤمنين . كل ذلك ومحمد يسبح في خياله الطموح ، ويرى نفسه على عرش الخلافة ، ويسمع نفسه وهو يعطي العطاءات الكبيرة ، ويشعر بمشاعر السعادة ، وبينما هو كذلك التفت إلى صاحبه الآخر وقال : ماذا تريد أيها الرجل ؟ فقال: يا محمد إنما أنت حمار ، والحمار لا يصلح أن يكون خليفة . فقال محمد : ياأخي افترض جدلا أنني الخليفة ماذا تتمنى ؟ فقال الرجل : لأن تقع السماء على الأرض أيسر من وصولك إلى الخلافة . فقال محمد : دعني من هذا كله وقل لي : ماذا تتمنى ؟ فقال الرجل : اسمع يامحمد إذا أصبحت خليفة ، فاجعلني على حمار ووجه وجهي إلى الوراء ، وأمر منادي يمشي معي في أزقة المدينة وينادي أيها الناس هذا دجال محتال من يمشي معه أو يحدثه أودعته السجن .
وانتهى الحوار ونام الجميع ، ومع بزوغ الفجر استيقظ محمد وصلى صلاة الفجر وجلس يفكر ، صحيح الذي يعمل حمّارا لن يصل إلى الخلافة ، الشخص الذي يستمر دون تطوير مهاراته ، بلا تحديد لأهدافه وطموحاته لن يتقدم بل يتقادم . فكر محمد كثيرا ما الخطوة الأولى للوصول إلى الهدف المنشود ؟ وتوصل محمد إلى قناعة رائعة وهي تحديد الخطوة الأولى : بيع الحمار ، وفعلا بدأ بالتنفيذ وباع الحمار
وانطلق محمد ابن أبي عامر بكل إصرار وجد يبحث عن الطريق الموصلة للهدف وقرر أن يعمل في الشرطة بكل جد ونشاط ، والتحق بالشرطة وترقى في عمله حتى أصبح رئيسا لقسم الشرطة في الدولة الأموية بالأندلس . ثم مات الخليفة الأموي وتولى بعده ابنه وعمره في ذلك الوقت عشر سنوات ، فقرروا أن يجعلوا عليه وصيا ولكن لا يكون من بني أمية حتى لايأخذ الحكم منه فجعلوا عليه مجموعة من الأوصياء منهم محمد بن أبي عامر واثنين آخرين فتمكن محمد من الاستفراد بالوصاية والتقرب من والدة الخليفة ، ثم اتخذ محمد مجموعة من القرارات .. فقرر أن الخليفة لا يخرج إلا بإذنه ، وقرر انتقال شؤون الحكم إلى قصره وجيش الجيوش وفتح الأمصار واتسعت دولة بني أمية في عهده ، حتى اعتبر بعض المؤرخين أن تلك الفترة فترة انقطاع في الدولة الأموية وسميت بالدولة العامرية نسبة إلى محمد بن أبي عامر .
وفي يوم من الأيام وبعد ثلاثين عاما من بيع الحمار وصاحبنا محمد يجلس على عرشه بين العلماء والقادة تذكر صاحبيه الحمارين ، فأرسل إليهما أحد جنوده وقال له اذهب إلى مكان كذا فإذا وجدت رجلين صفتهما كذا وكذا فأتني بهما ، فذهب الجندي ووصل إلى نفس المكان ووجد الرجلين بنفس الصفة ، العمل هو هو ، المقر هو هو ، المهارات هي هي ، بنفس العقلية حمّار منذ ثلاثين سنة ، فقال الجندي : إن أمير المؤمنين يطلبكما ، أمير المؤمنين .. إننا لم نذنب ، ولم نفعل شيئا ، ما جرمنا ، قال الجندي : أمرني أن آتي بكما ، ووصلوا إلى القصر ، ودخلوا القصر نظرا إلى الخليفة ، قالا باستغراب .. إنه صاحبنا محمد . قال الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر : أعرفتماني؟ قالا نعم يا أمير المؤمنين ، ولكن نخشى أنك لم تعرفنا ، قال بل عرفتكما ، ثم نظر إلى الحاشية وقال : كنت أنا وهذين الرجلين معا قبل ثلاثين سنة ، وكنا نعمل حمارين ، وفي ليلة من الليالي جلسنا نتسامر فقلت لهما : إذا كنت خليفة فماذا تتمنيا ؟ فتمنيا ، ثم التفت إلى أحدهما وقال : ما ذا تمنيت يا فلان ؟ قال الرجل : حدائق غناء ، فقال الخليفة لك حديقة كذا وكذا ، وماذا بعد ؟ قال : اسطبل من الخيل ، قال الخليفة لك ذلك ، وماذا بعد ؟ قال : مئة جارية ، قال الخليفة : لك مئة من الجواري ، ثم ماذا ؟ قال الرجل : مئة ألف دينار ذهب ، قال هو لك وماذا بعد ؟ قال الرجل كفى يا أمير المؤمنين . قال الحاجب المنصور : ولك راتب مقطوع - يعني بدون عمل - وتدخل علي بغير حجاب .
ثم التفت إلى الآخر وقال له ماذا تمنيت ؟ قال الرجل اعفني يا أمير المؤمنين . قال : لا والله حتى تخبرهم قال الرجل : الصحبة يا أمير المؤمنين ، قال : حتى تخبرهم ، فقال الرجل : قلت إن أصبحت خليفة فاجعلني على حمار ووجه وجهي للوراء وأمر منادي ينادي في الناس أيها الناس هذا دجال محتال من يمشي معه أو يحدثه أودعته السجن .
قال الحاجب المنصور محمد ابن أبي عامر : افعلوا به ما تمنى حتى يعلم أن الله على كل شيء قدير .
........................................................................
تنبيه واجب : هذه القصة وردت في مقال للأستاذ أحمد زهران بعنوان ( لا يضيع عمل عامل ولا يخيب أمل آمل ) في مجلة الرسالة .
........................................................................
يقول الله عز وجل في الحديث القدسي ( أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ) ، فلنعقد العزم ونضع الهدف ، ونبدأ أولى الوسائل ونري الله من أنفسنا خيرا وقبل كل ذلك فلنتوكل على الله ونثق به عظيم الثقة فهو سبحانه ... لا يضيع عمل عامل ولا يخيب أمل آمل ..
يقول الله عز وجل في الحديث القدسي ( أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ) ، فلنعقد العزم ونضع الهدف ، ونبدأ أولى الوسائل ونري الله من أنفسنا خيرا وقبل كل ذلك فلنتوكل على الله ونثق به عظيم الثقة فهو سبحانه ... لا يضيع عمل عامل ولا يخيب أمل آمل ..