الجمعة، 9 مايو 2008

تخيل نفسك ... واستعن بالله ..

إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني *** عنيت فلم أكسل ولم أتبلد

بمناسبة قرب الامتحانات ونهاية السنة ، وتحفيزا لروح التفاؤل التي أحبها دائما ووصانا بها رسولنا صلى الله عليه وسلم ( تفاءلوا بالخير تجدوه ) ، وإيقاظا لهمتي وعزيمتي وطموحي قبل همتكم وعزيمتكم وطموحكم ، أردت أن أقص عليكم قصة تمنيت أن تكون سريعة ولكني حاولت اختصارها قدر الإمكان ، ولكن متى ما تعمقت فيها لم تستغرق منك وقتا ، وقد شدت انتباهي منذ فترة وملأت كياني قد يكون البعض يعلمها من قبل فتكون من باب ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) وقد لا يعلمها البعض الآخر - كما كنت لاأعلمها - فربما تعلو بها همته ويزداد طموحه ، ولكن لنتفق من البداية أن يتخيل كل منا نفسه مكان محمد الذي في القصة ، وحتى لا أطيل فإليكم الحكاية من البداية ....

................................................................

في ليلة من الليالي - أيام الدولة الأموية في الأندلس - اجتمع ثلاثة رجال يعملون حمّارين - يعني عربجية ولا مؤاخذة - بعد يوم طويل من العمل ليتسامروا ، فقال أحدهم لصاحبيه تخيل لو أنني أصبحت خليفة - يعني الريس برضه ولا مؤاخذه - ماذا تتمنيا؟ فقالا:يامحمد إن هذا غير ممكن ، فقال : افترضا جدلا أني خليفة .. فقال أحدهم هذا محال ، وقال الآخر : يا محمد أنت تصلح حمار ، أما الخليفة فيختلف عنك كثيرا . قال محمد:قلت لكما افترضا جدلا أني خليفة ، وهام محمد في أحلام اليقظة ، وتخيل نفسه على عرش الخلافة ، وقال لأحدهما:ماذاتتمنى أيها الرجل ؟ فقال: أريد حدائق غناء ، وماذا بعد ؟ قال الرجل: إسطبلا من الخيل ، وماذا بعد، قال الرجل : أريد مئة جارية ، وماذا بعد أيها الرجل ؟ قال : مئة ألف دينار ذهب ، ثم ماذا بعد، يكفي ذلك ياأمير المؤمنين . كل ذلك ومحمد يسبح في خياله الطموح ، ويرى نفسه على عرش الخلافة ، ويسمع نفسه وهو يعطي العطاءات الكبيرة ، ويشعر بمشاعر السعادة ، وبينما هو كذلك التفت إلى صاحبه الآخر وقال : ماذا تريد أيها الرجل ؟ فقال: يا محمد إنما أنت حمار ، والحمار لا يصلح أن يكون خليفة . فقال محمد : ياأخي افترض جدلا أنني الخليفة ماذا تتمنى ؟ فقال الرجل : لأن تقع السماء على الأرض أيسر من وصولك إلى الخلافة . فقال محمد : دعني من هذا كله وقل لي : ماذا تتمنى ؟ فقال الرجل : اسمع يامحمد إذا أصبحت خليفة ، فاجعلني على حمار ووجه وجهي إلى الوراء ، وأمر منادي يمشي معي في أزقة المدينة وينادي أيها الناس هذا دجال محتال من يمشي معه أو يحدثه أودعته السجن .

وانتهى الحوار ونام الجميع ، ومع بزوغ الفجر استيقظ محمد وصلى صلاة الفجر وجلس يفكر ، صحيح الذي يعمل حمّارا لن يصل إلى الخلافة ، الشخص الذي يستمر دون تطوير مهاراته ، بلا تحديد لأهدافه وطموحاته لن يتقدم بل يتقادم . فكر محمد كثيرا ما الخطوة الأولى للوصول إلى الهدف المنشود ؟ وتوصل محمد إلى قناعة رائعة وهي تحديد الخطوة الأولى : بيع الحمار ، وفعلا بدأ بالتنفيذ وباع الحمار

وانطلق محمد ابن أبي عامر بكل إصرار وجد يبحث عن الطريق الموصلة للهدف وقرر أن يعمل في الشرطة بكل جد ونشاط ، والتحق بالشرطة وترقى في عمله حتى أصبح رئيسا لقسم الشرطة في الدولة الأموية بالأندلس . ثم مات الخليفة الأموي وتولى بعده ابنه وعمره في ذلك الوقت عشر سنوات ، فقرروا أن يجعلوا عليه وصيا ولكن لا يكون من بني أمية حتى لايأخذ الحكم منه فجعلوا عليه مجموعة من الأوصياء منهم محمد بن أبي عامر واثنين آخرين فتمكن محمد من الاستفراد بالوصاية والتقرب من والدة الخليفة ، ثم اتخذ محمد مجموعة من القرارات .. فقرر أن الخليفة لا يخرج إلا بإذنه ، وقرر انتقال شؤون الحكم إلى قصره وجيش الجيوش وفتح الأمصار واتسعت دولة بني أمية في عهده ، حتى اعتبر بعض المؤرخين أن تلك الفترة فترة انقطاع في الدولة الأموية وسميت بالدولة العامرية نسبة إلى محمد بن أبي عامر .

وفي يوم من الأيام وبعد ثلاثين عاما من بيع الحمار وصاحبنا محمد يجلس على عرشه بين العلماء والقادة تذكر صاحبيه الحمارين ، فأرسل إليهما أحد جنوده وقال له اذهب إلى مكان كذا فإذا وجدت رجلين صفتهما كذا وكذا فأتني بهما ، فذهب الجندي ووصل إلى نفس المكان ووجد الرجلين بنفس الصفة ، العمل هو هو ، المقر هو هو ، المهارات هي هي ، بنفس العقلية حمّار منذ ثلاثين سنة ، فقال الجندي : إن أمير المؤمنين يطلبكما ، أمير المؤمنين .. إننا لم نذنب ، ولم نفعل شيئا ، ما جرمنا ، قال الجندي : أمرني أن آتي بكما ، ووصلوا إلى القصر ، ودخلوا القصر نظرا إلى الخليفة ، قالا باستغراب .. إنه صاحبنا محمد . قال الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر : أعرفتماني؟ قالا نعم يا أمير المؤمنين ، ولكن نخشى أنك لم تعرفنا ، قال بل عرفتكما ، ثم نظر إلى الحاشية وقال : كنت أنا وهذين الرجلين معا قبل ثلاثين سنة ، وكنا نعمل حمارين ، وفي ليلة من الليالي جلسنا نتسامر فقلت لهما : إذا كنت خليفة فماذا تتمنيا ؟ فتمنيا ، ثم التفت إلى أحدهما وقال : ما ذا تمنيت يا فلان ؟ قال الرجل : حدائق غناء ، فقال الخليفة لك حديقة كذا وكذا ، وماذا بعد ؟ قال : اسطبل من الخيل ، قال الخليفة لك ذلك ، وماذا بعد ؟ قال : مئة جارية ، قال الخليفة : لك مئة من الجواري ، ثم ماذا ؟ قال الرجل : مئة ألف دينار ذهب ، قال هو لك وماذا بعد ؟ قال الرجل كفى يا أمير المؤمنين . قال الحاجب المنصور : ولك راتب مقطوع - يعني بدون عمل - وتدخل علي بغير حجاب .

ثم التفت إلى الآخر وقال له ماذا تمنيت ؟ قال الرجل اعفني يا أمير المؤمنين . قال : لا والله حتى تخبرهم قال الرجل : الصحبة يا أمير المؤمنين ، قال : حتى تخبرهم ، فقال الرجل : قلت إن أصبحت خليفة فاجعلني على حمار ووجه وجهي للوراء وأمر منادي ينادي في الناس أيها الناس هذا دجال محتال من يمشي معه أو يحدثه أودعته السجن .

قال الحاجب المنصور محمد ابن أبي عامر : افعلوا به ما تمنى حتى يعلم أن الله على كل شيء قدير .

........................................................................
تنبيه واجب : هذه القصة وردت في مقال للأستاذ أحمد زهران بعنوان ( لا يضيع عمل عامل ولا يخيب أمل آمل ) في مجلة الرسالة .
........................................................................

يقول الله عز وجل في الحديث القدسي ( أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ) ، فلنعقد العزم ونضع الهدف ، ونبدأ أولى الوسائل ونري الله من أنفسنا خيرا وقبل كل ذلك فلنتوكل على الله ونثق به عظيم الثقة فهو سبحانه ... لا يضيع عمل عامل ولا يخيب أمل آمل ..

هناك 22 تعليقًا:

محمود ابوالعزم يقول...

اان بس هحجز اول كومنت عشان انول الشرف ده
وبعدين هفضي نفسي واجي اقري تاني
ان شاء الله

GEHAD يقول...

جزاكم الله خيرا على الموضوع والقصة
فعلا نحن بحاجة لهذي التذكرة
وما أوقع العنوان وأصدقه
"تخيّل نفسك ..واستعن بالله"
وفقنا الله جميعا
دعواتكم

أحمد سعيد بسيوني يقول...

بسم الله
ذكرتني ببيت الشعر
ومن يتهيب صعود الجبال
يعش ابد الدهر بين الحفر
فلنصعد - مش الجبل - ولكن للتفوق والنجاااح
جزيتم خيرا
تحياتي

shaimaa samir يقول...

فعلاااااااا
الواحد محتاج حاجات من دى الفترة دى
ربنا يكرمكم
ويجعلكم دوما نبراسا للتفاؤل

غير معرف يقول...

السلام عليكم ورحمه الله..اصبتم في اختيار الوقت.جميله هي نظرته المنطقية للامور..وعلمه ان تحقيق الهدف لابد له من وقت وعمل ولا ياتي بالتمني او بين اللحظه واختها ..غفر الله لنا التقصير
واعاننا فيما بقي.لكم هي رائعه ومؤثره هذه الجمله"الشخص الذي يستمر دون تطوير مهاراته ، بلا تحديد لأهدافه وطموحاته لن يتقدم بل يتقادم "
جزاكم الله خيرا

إسلام هجرس يقول...

ربنا يوفقك في الامتحانات يا دكتور
ويوفق كل أصدقاءنا
قصة رائعة
وياريتنا ناخد الحماس من كل الرصيد الضخم اللي نعرفه من قصص العظماء دول أو البسطاء العظماء
....
استمتعت معك
مودتي لك

عمر يقول...

حبيبي محمود

احنا اللي لينا الشرف ، ومستني تعليقك

عمر يقول...

الأخت جهاد

وفقنا الله وإياكم ، وجزاكم الله خيرا

عمر يقول...

أحمد حبيبي

نعم ومن تهيب صعود الجبال .. يعش أبد الدهر بين الحفر

فلنصعد معا للتفوق والنجاح

جزاك الله خيرا

عمر يقول...

الأخت شيماء

جزاكم الله خيرا ، وأكرمكم الله

عمر يقول...

الأخت زهرة الأمل

فعلا هذه الجملة للأستاذ أحمد زهران جميلة ومعبرة عن مضمون القصة ، وياليتنا نعقلها ونتدبرها ونعمل بما فيها

جزاكم الله خيرا

عمر يقول...

حبيبي الشاعر المبدع إسلام

منور المدونة والله ، وكم أسعدتني زيارتك هذه ، أسأل الله أن تتكرر

وأشكرك على مجاملتك

وأنت مثال يحتذى به في الجد والاجتهاد ووضوح الهدف - أنا ماسك الخشب علفكرة -، وفقك الله وأعانك

نور جديد يقول...

السلام عليكم
جميل يا فندم اني مع اول زيارة لي في مدونة حضرتك الاقي تدوينة انا في حاجة اليها
جزاكم الله خيرا
رغم اني عارفه القصة اصلا بس جددت معنى مختلف عندي
انا معنديش تعليق معين
بس بماأني بحب النور قلت اسمعكم صوتي
حقا جزاكم الله خيرا

اوعى تفكر يقول...

شقت الحقيقه تبتدى من حلم
اد ايه كان ولا حاجه مجرد انه حلم وخد بالاسباب بس ربنا حققله حلمه
ياريت كل واحد فينا يحلم حلم
ويسعى لتنفيذه
سؤال على الماشى
تتمنى ايه لما امسك الرئاسه؟؟؟؟؟؟؟؟؟

باجوجو يقول...

عمر باشا
ليس عجيبا أن ينال محمد ما تمنى
طالما سعى فى تحقيق الحلم منذ الوهلة الأولى
وليس عجيبا أن يفشل معظم الشباب المصرى فى تحقيق أحلامهم
فنادرا ما نرى من يسعى من أجل أحلامه
الموضوع جميل وهادف ويريت نتعلم

محمود ابوالعزم يقول...

انا كنت حجزت اول تعليق قبل كده
وفاتت الايام وقريت القصه دي النهارده
بجد جميله اوي يا عمر
وفيها معني جميل
شكرا انك جبتهالنا

semsema يقول...

السلام عليكم
تبارك الله
القصة رائعة والمدونة اروع
جميل ما تبعثه القصة في النفس من حماس واحنا في اشد الحاجة اليه الان
سلمت يمينك دكتر عمر
تحياتي

عمر يقول...

الأخت نور جديد

جزاكم الله خيرا وشرفتم المدونة بزيارتكم

وأعتذر لتأخري في الرد

عمر يقول...

أخي أوعى تفكر

منور والله

بصراحة انا مش عايز أقول لك لو الكلام ده حصل حطني على حمار وخلي وشي لورا

أقولك خليني متفائل زيك ، لو الكلام ده حصل أنا مش عايز إلا وزارة الصحة بس ... متهيالي حاجه بسيطة

شرفت يا باشا

عمر يقول...

حبيبي رامي

نورتني ويارب ما تكونشي آخر زيارة

وإن شاء الله الشباب المصري ينول اللي بيتمناه

عمر يقول...

محمود حبيبي

متشكر جدا لعودتك ، ودائما بنتعلم منكم

عمر يقول...

الأخت د سمسمة

وعليكم السلام

شكرا لتشريفك مدونتي المتواضعة ، وأشكر لك هذه المجاملة التي لا أستحقها

أعاننا الله وإياكم